طرق مسدودة ومخارج محدودة.. مفاوضات غزة في مهب الريح
- aqlamhorra
- أغسطس 22, 2024
- غزة
- إبراهيم نوار
- 1تعليق
وصف وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن الجولة الحالية من مفاوضات وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى والمحتجزين بأنها الفرصة الأخيرة للتوصل إلى صفقة، لوضع نهاية للحرب في غزة.
ومع أن الرئيس الأمريكي بايدن ألمح إلى أن المقاومة الفلسطينية وإيران وحلفائها في المنطقة قد تكون المسؤولة عن انهيار «مفاوضات الفرصة الأخيرة»؛ فإن العالم كله يعلم، بما في ذلك الرأي العام الإسرائيلي أن بنيامين نتنياهو وأقطاب الائتلاف الصهيوني الديني المتعطش للدم هم العقبة الحقيقية في طريق الصفقة، والوقوف ضد أي محاولة لإنهاء الحرب في غزة. فنتنياهو وسموتريتش وابن غفير لديهم شهوة متوحشة إلى الدم، وعدم وقف الحرب حتى إبادة الشعب الفلسطيني.
في مقابل ذلك فإن الولايات المتحدة لا تبدي اهتماما حقيقيا بوقف دائم للقتال، والمحافظة على حياة الفلسطينيين، بعد أن تجاوز عدد الضحايا الفلسطينيين رقم الـ40 ألف شهيد. في حين أنها تبدي قدرا هائلا من التصميم على تمكين إسرائيل من استعادة المحتجزين في غزة الأحياء والأموات. لهذا فإن الفلسطينيين لا يعتبرون الولايات المتحدة وسيطا أمينا في المفاوضات الراهنة.
ومهما قالت واشنطن في مبررات الضغط على المقاومة من أجل قبول صفقة فاسدة، فإن المقاومة تعلم أين تقف سياسيا وعسكريا، مهما كانت صعوبة الموقف، قياسا إلى أهداف الكفاح الوطني الفلسطيني، الذي تلتحم فيه البندقية مع الدبلوماسية ولا تنفصلان.
وإذا كان نتنياهو قد أعاد التأكيد على أنه لا صفقة إلا بتحقيق أهداف الحرب المعلنة منذ البداية، وهي استعادة المحتجزين، وتدمير حماس عسكريا وإداريا ومعنويا، واجتثاث أي تهديد مستقبلي للاحتلال؛ فإن المقاومة هي الأخرى قد أعادت التأكيد على إنه لا صفقة إلا بوقف دائم لإطلاق النار، وانسحاب الجيش الإسرائيلي من غزة، وإنهاء الحصار تماما، وعودة الحياة الطبيعية إلى غزة كلها، والبدء في ترتيبات إقامة دولة فلسطينية، بما ينهي العدوان الإسرائيلي على الحقوق الأساسية المشروعة للشعب الفلسطيني.
ولا يجوز بعد كل التضحيات والظروف القاسية التي يتحملها الفلسطينيون أن يكون العائد منها مجرد وقف مؤقت لإطلاق النار، تحصل بمقتضاه إسرائيل على رخصة جديدة لاستئناف العدوان البربري على الفلسطينيين، وحرية ممارسة قتل الأبرياء في أي وقت، ليس في غزة فقط، ولكن في الضفة الغربية أيضا، بعد أن تحولت إلى جبهة قتال بشكل رسمي، تشارك فيها كل أسلحة الجيش الإسرائيلي.
محركات جديدة
تعكس خريطة المواقف التفاوضية الحالية ثلاثة محركات جديدة، لم تكن حاضرة في مفاوضات الصفقة الأولى لتبادل الأسرى والمحتجزين في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
المحرك الأول، هو دمج قيادة حماس السياسية والعسكرية بعد اغتيال الراحل إسماعيل هنية، وانتخاب قائد حماس في غزة يحيى السنوار رئيسا للمكتب السياسي للحركة.
المحرك الثاني، هو عودة مصر إلى صدارة المشهد التفاوضي بقوة كطرف، لأن من مصلحتها إنهاء الاحتلال الإسرائيلي لمحور فيلادلفيا، وإعادة فتح معبر رفح. إذ لم تعد مصر مجرد وسيط، وإنما أصبحت طرفا في المفاوضات تطالب بعودة الأمور في رفح إلى ما كانت عليه قبل مايو/أيار الماضي.
المحرك الثالث، هو أن الرئيس الأمريكي بايدن انسحب من سباق الانتخابات الرئاسية، وهو ما يمنحه عدة أشهر من التركيز على تحقيق إنجاز سياسي لمصلحة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، قبل أن يغادر البيت الأبيض في يناير/كانون الثاني القادم. ومع ذلك فإننا يجب أن ندرك أن بايدن يسعى أيضا إلى إرضاء اللوبي الصهيوني، لتعزيز فرصة فوز الديمقراطيين بقيادة كاميلا هاريس في الانتخابات العامة المقبلة.
وقد انعكست قوة كل من هذه المحركات على الموقف التفاوضي للأطراف المختلفة على النحو التالي:
أولا: أعلن يحيى السنوار ثلاثة مبادئ تفاوضية جديدة واضحة، الأول أنه لا تفاوض إلا بعد وقف إطلاق النار، ضمانا لجدية المفاوضات، وإنهاء كافة القيود على تدفق الإمدادات الإنسانية إلى غزة.
ولذلك فإن حماس لا تشارك رسميا في الجولة الحالية من المفاوضات حتى الآن، وإنما يتم إبلاغها بتطوراتها عن طريق الوسطاء. المبدأ الثاني هو إنه لا تبادل للأسرى و المحتجزين إلا بعد الاتفاق على خطة انسحاب جيش الاحتلال من غزة، وتسوية إجراءات التبادل، بالتزامن مع بدء الانسحاب، وفقا لمعايير دقيقة، وضمان عدم اعتقال الفلسطينيين المفرج عنهم مرة أخرى. والمبدأ الثالث هو أن يكون وقف إطلاق النار نهائيا، وانسحاب جيش الاحتلال الإسرائيلي من غزة انسحابا كاملا، لتأمين الطريق إلى حل نهائي للقضية الفلسطينية وإبطال سياسة المراوغة الإسرائيلية.
ثانيا: إضافة إلى تعاظم مؤشرات التحركات الدبلوماسية المصرية كميا، مع كل من قطر والولايات المتحدة وطهران ولبنان والسعودية والإمارات وفرنسا وبريطانيا، فإن دور مصر الدبلوماسي في جولة المفاوضات الحالية تحول من دور «الوسيط» إلى دور «طرف مباشر»، وهو ما يقود إلى إقامة محور إضافي ثنائي مصري – إسرائيلي للمفاوضات، من المهم أن يدعم الموقف الفلسطيني، خصوصا في المطالبة بانسحاب إسرائيل تماما من رفح ومحور فيلادلفيا، ومعبر رفح.
اقرأ ايضا| خلف أبواب مغلقة: حماس والمواجهة المزدوجة بين المفاوضات والميدان
ومن ناحية غير مباشرة فإن اقتراب مصر من الورقة اللبنانية، من خلال محادثات وزير الخارجية المصري في بيروت، من شأنه أن يؤدي إلى تخفيف حدة الاستقطاب بين المحورين الإيراني والإسرائيلي، وهو الاستقطاب الذي تخشى الولايات المتحدة أن يقود إلى حرب إقليمية شاملة.
ثالثا: يأمل الرئيس الأمريكي بايدن تحقيق نصر سياسي للولايات المتحدة في الشرق الأوسط يختتم به فترة رئاسته، بعد خروجه من السباق الانتخابي لمصلحة نائبته كاميلا هاريس. ومنذ أن حقق دونالد ترامب خلال فترة رئاسته تقدما كبيرا لمصلحة إسرائيل في صفقة «اتفاقيات أبراهام»، يشعر بايدن أن عليه أن ينجح في عقد صفقة كبرى بين إسرائيل والمملكة السعودية.
أحد أهم شروط هذه الصفقة هو وقف إطلاق النار في غزة، بالقدر الذي يسمح بإطلاق عملية سياسية، حتى إن كانت شكلية فقط، لتسوية دائمة بين الإسرائيليين والفلسطينيين. هذا الحلم مازال يراود بايدن حتى الآن، وهو ما يفسر تشبثه بأي فرصة لنجاح المفاوضات مهما كانت ضئيلة.
نتنياهو والحرب العالمية المقدسة
منذ بدأ رئيس الوزراء الإسرائيلي حملته الدبلوماسية المضادة على الرأي العام والمؤسسات الدولية، متخذا من الكونغرس الأمريكي منصة انطلاق له، فإنه يعيد التأكيد، مرة بعد الأخرى، على أنه يسعى من دون مواربة إلى شن حرب بلا نهاية ضد الفلسطينيين، وكل من يعنيهم بمصطلح «أعداء إسرائيل» وعلى رأسهم إيران.
وهو يخلط عن عمد بين رغبته في تصفية القضية الفلسطينية، وإزالة أي مقومات مادية للحديث عن إقامة دولة فلسطينية، وبين تجريد إيران من قدراتها التكنولوجية النووية، ومنعها، منعا تاما، من التقدم لامتلاك سلاح نووي، يقضي على احتكار إسرائيل للسلاح النووي، الذي يعتبر الخط الأخير في نظام الردع الإسرائيلي، الذي سقط فعليا بعد 7 أكتوبر/تشرين أول الماضي.
ومع أن نتنياهو يدرك أن انفجار حرب إقليمية شاملة في الشرق الأوسط يمكن بسهولة كبيرة أن يشعل حربا عالمية ثالثة، فإنه يعتقد أن ذلك سيكون في مصلحة إسرائيل، مهما كانت الخلافات مع واشنطن. وهو يعتقد إلى حد اليقين في قدرته على جعل الولايات المتحدة تعمل وكيلا له أمام العالم كله، لتدافع عن حروبه العدوانية وتحميه وتؤيده عسكريا ودبلوماسيا وماليا، وليس أن تكون إسرائيل وكيلا للولايات المتحدة في الشرق الأوسط.
وهو يؤمن أن تسوية أي خلافات مع واشنطن تتم لمصلحة إسرائيل، كما تؤكد التجارب منذ خمسينيات القرن الماضي. أي منذ نجاح إسرائيل في إعادة ترسيم الحدود مع مصر عام 1957 وضم قرية أم الرشراش المصرية وإقامة ميناء إيلات عليها، حتى دخول رفح في مايو/أيار الماضي، على الرغم من معارضة الرئيس بايدن والبنتاغون ومجلس الأمن القومي والمخابرات الأمريكية.
وهو يريد أن يحارب على 7 جبهات في وقت واحد، غزة، والضفة الغربية، ولبنان، وسورية، والعراق، واليمن وإيران. ومن ثم فإن الحديث عن صفقة لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى والمحتجزين، ليس إلا استهلاكا للوقت وفتحا لقناة تظل فيها الدبلوماسية الإقليمية مشغولة، وأن تنشغل معها الدبلوماسية الدولية، حتى ظهور نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية، التي ستؤدي في حال نجاح ترامب، للقضاء على أي فرصة قريبة، مهما كانت ضئيلة، لتحقيق تسوية سلمية في الشرق الأوسط.
نتنياهو يرى أن الغاية الكبرى لاستمرار الحرب في غزة هي إعادة تثبيت استراتيجية الردع المنهارة، والحصول على رخصة تتيح حرية ممارسة العمل العسكري في غزة، واستخدام وجود الجيش الإسرائيلي هناك لتحقيق مكاسب استراتيجية، مثل السيطرة على الحدود مع مصر بالتمركز في محور فيلادلفيا، وتقسيم قطاع غزة بالتمركز في محور نتساريم.
إعادة الإعمار.. الهاجس التالي لما بعد الحرب
[…] إقرأ أيضا : طرق مسدودة ومخارج محدودة.. مفاوضات غزة في مهب الريح […]